شعــــب وجيــــــش
وثــــورة
بقلم / هبه عبد
العزيز
الثورة هى المعنى الإنسانى للحرية, والحرية لا تقتصر على الحرية السياسية أو
الحرية الاقتصادية فقط, حيث إن للحرية أيضاً بعداً ومعنى إنسانياً, وهذا البعد أو المعنى
الإنسانى يتعدى الحقوق السياسية والحاجات المادية إلى ضرورات نفسية ومعنوية لا يستقيم
الإحساس بالحرية بدونها. ويقول «ملتون» شاعر الثورة الإنجليزية: «الحرية هى خير المدارس
للفضيلة».
فالثورات بطبيعتها
تقوم بخلق طبقة جديدة, وتغير من المفاهيم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التى كانت
سائدة قبل قيامها فى المجتمع، فنحن نتطور تلقائياً تطوراً ينبع من ماضينا ومن احتياجاتنا
التى أذن بها المؤذنون فى كل جيل.
والآن وبعد مرور
63 عاماً على ثورة 23 يوليو 1952, وفى ذكرى احتفالاتنا بها لنا أن نتذكر الآتى:
- خروج النداء
السرى من بين أفراد الجيش المصرى, من مجموعة من الضباط الذين عرفوا بـ «الضباط الأحرار»
للسيطرة على مقاليد السلطة وأركان الحكم فى البلاد, كان البداية للإعلان عن إنهاء عهد
وبداية عهد آخر جديد للشعب المصرى وللشعوب العربية بل دول العالم الثالث.
- بيان الثورة
الذى قام بإذاعته الرائد «محمد أنور السادات» حينئذ وقد جاء فيه: «اجتازت مصر فترة
عصيبة فى تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم.. وعلى ذلك فقد قمنا
بتطهير أنفسنا وتولى أمرنا فى داخل الجيش رجال نثق فى قدراتهم وفى خلقهم وفى وطنيتهم
ولابد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب.. وأنى أؤكد للشعب المصرى أن
الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن فى ظل الدستور مجرداً من أى غاية وانتهز هذه
الفرصة وأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف لأن
هذا ليس فى صالح مصر وأن أى عمل من هذا القبيل سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل وسيلقى
فاعله جزاء الخائن فى الحال وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاوناً مع البوليس».
حققت الثورة
نوعاً من العدالة الاجتماعية فى مجتمع كان منقسماً إلى طبقتين: الأولى قليلة العدد
تمتلك الثروات, والثانية تمثل الغالبية العظمى من الشعب وهى الطبقة المعدمة, فاستطاعت
الثورة أن تخلق طبقة جديدة «الطبقة المتوسطة» وعاشت هذه الطبقة فى عهد الزعيم الراحل
«جمال عبدالناصر» عيشة كريمة, فقد وفر لها النظام ما يحميها من قوانين شملت التعليم
المجانى وتوفير فرص العمل والتأمين الصحى و..، فزاد شعور المواطن بالانتماء وارتفع
إحساسه بالكرامة والعزة.
- الديمقراطية
لم تكن من أولويات المرحلة, هكذا أخبرتنا أحداث ما بعد الثورة, فمع وجود مناخ سياسى
فاعل قبل الثورة, إلا أنه كان فاسداً, فقد كان من أهداف ثورة يوليو تغيير هذا الواقع
حتى يتسنى للشعب ممارسة الديمقراطية الحقيقية, لا الديمقراطية الشكلية فقط وذلك بوجود
مؤسسات ديمقراطية من برلمان ودستور وهيئات وأحزاب من معارضة ومن حكومة..
فعندما سأل
المفكر الإسلامى الليبرالى «خالد محمد خالد» الزعيم الراحل «جمال عبدالناصر» فى حديث
تليفزيونى، مطالباً سيادته بعودة الأحزاب المنحلة.. فكان رد عبدالناصر: نذيب الفوارق
بين الطبقات لنبنى مجتمعاً جديداً يطلق أحزابه.. وأيضاً عندما تحدث «زكريا محيى الدين»
فى الاجتماع الذى عقد بمقر الاتحاد الاشتراكى بحضور أعضاء مجلس قيادة الثورة رداً على
وثيقة عبدالناصر طرح تعدد الأحزاب، قائلاً: هل من المعقول أن نعدل نظامنا ونعمل حزبين
ومازال العدو موجوداً على أراضينا؟.. أنا شايف أن الأهم من كده هو تعبئة البلد كلها
ضد العدو.. لهذا فأنا لا أوافق الرئيس على اقتراحه بتشكيل حزبين إلا بعد إزالة آثار
العدوان.
وبالرغم من مرور
63 عاماً لم تزل ثورة 23 يوليو هى الثورة الأم والمثال الرئيسى لكفاح الشعب المصرى,
فوضع السلطة فى يد أبناء الشعب, ورفض حالة الخنوع للامبريالية كان من أهم نتائج الثورة.
وأن ثورة 23 يوليو
كانت بالأساس حركة أو انقلاباً قامت بها مجموعة من الضباط بالجيش المصرى, سرعان ما
تحولت إلى ثورة شعبية عارمة بكل ما تحمله كلمة ثورة من معان, فقد التف حولها الشعب
المصرى وآمن بمبادئها وأهدافها التى وضعها مجموعة الضباط الأحرار, ما عمق أكثر من ارتباط
الشعب بجيشه, وأرست هذه الثورة بذلك مبادئ لوثيقة غير معلنة ما بين الشعب والجيش بأنه
هو مصدر الأمان والملجأ وسيكون فى صفوف الشعب دائماً حين تشتد الأزمات، إلى أن جاءت
ثورة الـ 25 من يناير ومن بعدها الـ 30 من يونية, لتجديد الميثاق ولتفعل بنود الاتفاق
غير المعلن ما بين شعب عريق وجيش عظيم.
يقول «إبراهام
لينكولن» الرئيس الأمريكى وأحد كتاب الثورة الأمريكية: «إن من حق الشعب أن يغير الحكومة
بالطرق الدستورية, فإذا لم يستطع ذلك فله أن يغيرها بالقوة».
ولا أجد ما أختم
به مقالى عن ثورة 23 يوليو أفضل مما ذكره الرئيس عبدالفتاح السيسى فى ذكرى احتفال الشعب
المصرى بالثورة الأم، الثورة الخالدة، فقد قال: «فى ذكرى ثورة يوليو يجب أن نستدعى
قيم العمل الدءوب والتكاتف والاصطفاف الوطنى».
0 التعليقات:
إرسال تعليق