الشخصية العربية ... والمزاج العربى (3)

بقلم/هبه عبد العزيز

ويتجدد بنا اللقاء قارىء الكريم  هذا الأسبوع، فى رحلة بحثنا داخل أعماق الشخصية العربية، لنستكمل سويا ما بدأناه ، وكنت قد تناولت فى مقالى السابق فكرة أن "الفرد" فى المجتمعات العربية ليس وحدة قياس مستقلة فى حد ذاته, فمازال الحكم عليه من خلال إنتمائاته وبخاصة (العائلية أو الطائفية) منها مستمر. وتحدثت كذلك عن "تطور العلاقة ما بين المحكومين والحكام"، وتتبعت فى عجالة: كيف وصلت تلك العلاقة إلى ما وصلت إليه الآن. أيضا مررت على  الحب فى حياة العربى، والعلاقة ما بين الحب والإقتصاد.
واليوم قد نتسآل هل الشخصية العربية شخصية مستقلة الفكر والرأى؟؟

يخبرنا التاريخ بأن "إخناتون" الفرعون المصرى كان أول شخصية فى التاريخ! و نتسآل لماذا؟؟ وتأتينا إجابة المتخصصين : لأنه كان "شخصية مستقلة" حيث رفض الإنسياق وراء التقاليد والإيمان المطلق بما يؤمن به المجتمع المصرى القديم آنذاك, وآثر إستقلاله الفكرى, حيث آمن بآله واحد. أيضا أكد لنا "سارتر" الفيلسوف الفرنسى أن أول وأهم شرط لإستقلال الشخصية هو : أن يؤمن الفرد بما يعتقد, وليس بما يعتقده الآخرون من التقاليد الإجتماعية أو العقائد الغيبية. وأعتقد أنه يمكننا أن نخرج من ذلك السرد بشىء هام وهو أن" إستقلال الشخصية " سواء أكان مادى أم معنوى , والجرأة على التصريح بالرأى الخاص حتى ولو كان هذا الرأى مخالفا لرأى العامة أو الخاصة، علامة هامة وسمة أساسية من سمات "الشخصية المستقلة, ف (الشخصية) فى أبسط تعاريفها عبارة عن : مجموعة من الميزات والصفات والعادات التى يتفرد بها الفرد وتميزه عن غيره من الناس, وتتكون دعائم تلك الشخصية من العقل والإرادة و العاطفة ، وهنا يجب أن نشير الى أن الإستقلال فى الرأى لا يعنى أبدا  عناد الجاهل أو تعنت الأبلة. فالشخصية تحتاج بإستمرار إلى المعارف المختلفة ,والإنفتاح على المعرفة يحتاج إلى نوع من المرونة، تلك المرونة هى  التى تدل على العقل واليقظة،  وتهىء الإنسان لمواجهة المواقف الجديدة، والتى بدورها تساعده على التطور.


ولعلنا نعلم أن حوالى 70% من "الشخصية" تشكلها البيئة والمجتمع, والباقى يرجع لعوامل الوراثة والجينات كما يخبرنا المتخصصون فى علم الإجتماع والنفس. فشخصيتنا نكتسبها من الوسط الإجتماعى الذى نعيش فيه,ومن التجارب التى نستخلص منها عبرة الأخلاق وحكمة السلوك. والمجتمعات الحرة نجدها تتيح للفرد عوامل إستقلال الفكر و الرأى من دون أن يخشى موت أو عقاب, وتلك المجتمعات هى التى تبنى شخصية أفرادها, أما فى المجتمعات التقليدية فالأمر يختلف، حيث تنكر تلك المجتمعات حرية الفكر, وتقدس لبعض آراء السلف من البشر, وتجعل من العادات فى الملبس والسلوك وأنماط العيش قواعد لا يجوز تخطيها، وهى بذلك تعطل نمو "الشخصية", بل وتهدم إستقلالها. وكم من أحداث إعتقالات وحبس بأحكام قضائية حفلت وتحفل بها مجتمعاتنا العربية لأشخاص ممن يعبرون عن آرائهم أو معتقاداتهم , وسواء أإتفقنا أم إختلفنا مع هذه الرؤى  والإتجاهات الفكرية لهولاء الأشخاص، فإننا فى النهاية أمام أفكار لذا وجب  أن نتعامل معها فى داخل  إطارها الفكرى - ولن أتوقف هنا كثيرا فهذه النقطة تحديدا ليست مجلنا الآن وتحتاج لمساحات أوسع .

وتعالوا بنا ننتقى من التاريخ بطريقة عشوائية بعض من  الأسماء لأشخاص غيروا فى العالم، وأعجبنا بهم، أثروا فى حياتنا ومنا من إتخد بعضهم مثلا أعلى يحتذى به وقدوة يسير على دربها أمثال : عمر بن الخطاب , غاندى, لنكولن, مارتن لوثركنج ,ثورو  ....... وغيرهم كثير فى شتى مجالات الحياة, ولو تأملانهم  لوجدنا أن كل منهم كان قوى الشخصية، مستقلا فى رأيه ولا يبالى ولا يخشى ما يقوله الآخرون.

وغاية القول أنه فى المجتمعات التى بها حضارة أو نهضة حقيقية, تكثر بها  الشخصيات المستقلة , حيث أن النهضة تدعو إلى الإنطلاق من القيود والإستشعار بالحرية, ويعمل ذلك بدوره على التفكير المستقل،  الذى بدوره أيضا يعمل على بناء الشخصية.

وحيث أننا كعرب نعيش الآن فترة من أسواء فترات تاريخنا فى إطار مفهوم النهضة, فالبتالى مجتمعاتنا نادرا ما تفرز شخصيات مستقلة قادرة على إحداث تغيرات وتطورات للنهوض بمجتمعاتها ( الأمر كالدائرة)  , فالوسط الأجتماعى هو ما يتيح للفرد الاستقلال بالرأى من عدمه.


فالعالم يتغير بالشخصيات المستقلة التى تأبى الخضوع أو الإستسلام لعادات وتقاليد القرون وأعراف الأسلاف دون إعمال العقل بها. ولكى نغير من واقع عالمنا العربى والذى أصبح مترديا فى إتجاهات شتى  ونصنع تقدم، فلابد من أن تربى أجيالنا القادمة على إكتساب إستقلال الرأى الناضج مع التأكيد على تنمية القدرة على التغيير والتطور بحسب مقتضيات الواقع.

ولنرفع شعار التنوير على نحو ما قاله "كانط" (وكن جرئيا فى إعمال عقلك) ، ولنربط العقل بالمعرفة وليس بالحقيقة, فالدوجمائية لن تزيدنا إلا إنقساما. ولنضيف المعرفة لعوامل الإنتاج (الأرض والمال و العمل )،  وهذا ليس باختراع ولا إبتكار جديد, إنه الأمر الذى إتبعته المجتمعات المتقدمة مما أفز شخصيات مستقلة خدمت بلادها والعالم من حولها.

ولحديثنا بقية.....



0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Fox Egypt News Magazine 2014 © جميع الحقوق محفوظة © تصميم الموقع : مجدي البروفسير