أمننا القومى والإختراق الإسرائيلى ﻹفريقيا (3)

بقلم - هبه عبد العزيز

قبل أن أحضر الأوراق وأمسك بالقلم, لأكتب مقالى هذا الأسبوع، والذى يعد الثالث على التوالى ضمن سلسلة مقالات (أمننا العربى والاختراق الإسرائيلى لإفريقيا), جاءتنى ابنتى، تطلب منى أن أذاكر معها درساً فى اللغة العربية, وفتحنا الكتاب سوياً, لنبدأ بقراءة الدرس أولاً, وإذا بنا أمام تلك الأبيات العذبة لأمير الشعراء أحمد شوقى, يصف فيها نهر النيل قائلاً:

النيل العذب هو الكوثر ...  والجنة شاطئه الأخضر

ريان الصفحة والمنظر ...  ما أبهى الخلد وما أنضر

البحر الفياض القدس  ...  الساقى الناس وما غرسوا

وإلى آخر تلك الأبيات..... وياه لروعتها!

ويتصادف ذلك مع استكمالنا لما بدأناه، وحديثنا اليوم تحديداً عن أزمة «سد النهضة», والدور الذى تلعبه «تل أبيب» فى «أديس أبابا» حيث بحيرة «تانا» بالهضبة الإثيوبية والتى ينبع منها «نهر النيل», ومدى تأثير ذلك على الأمن القومى المصرى بشكل عام وأمننا المائى خصوصاً.


فقد عاش المصريون لآلاف السنين معتقدين أن «نهر النيل» هو منحة وحق إلهى لهم، ومورد مائى دائم بلا فناء, (.. وهكذا كان ومازال وسيكون.. إلى أن يشاء الله) إلى أن أعلنت دولة إثيوبيا مشروع بنائها لـ«سد النهضة», فكان ذلك بمثابة دعوة للمصريين للاستيقاظ من تلك السبات. فقد كانوا لايزالون لم يدركوا حقيقة أن المياه أصبحت سلعة قومية بمرور السنين, ولا نعنى بسلعة هنا أنها تباع أو تشترى بمقابل مادى, ولكن قد يكون المقابل أوراق ضغط تستخدمها دول من أصحاب المصالح لإجبار مصر على قبول سياسات بعينها أو الدخول فى تحالفات معينة, مقابل ضمان حصتنا من مياه نهر النيل أو تحقيق أمننا المائى، وذلك على حساب وحدة أراضينا، مصالحنا العليا وأمننا القومى من ناحية, ومن الناحية الأخرى دورنا وتأثيره العربى والإقليمى، ولكن دولاً كتلك لم تعِ أن مصر لن تقف مثل هذا الموقف أبدا، ولن ترصخ أو تركع طول ما شعبها وجيشها من أبناء هذا الشعب يداً واحدة تعلو فوق المكائد دائما.


ولعنا نعى أن الأمن المائى لا يقل أهمية عن الأمن القومى، فهو جزء أصيل ولا يتجزأ من الأمن القومى للدولة, فلا يوجد مثلا بديل عن الماء كما توجد البدائل الأخرى لموارد الطاقة، إضافة إلى أنه من الصعوبة زيادة الموارد المائية العذبة, ويبقى الأهم وهو أننا دولة زراعية تمثل الزراعة ما يقرب من 15% من ناتجها المحلى, وتعتمد فى زراعتها على نهر النيل، حيث يذهب ما يقرب من 85% من مياهه للزراعة, ولذا نجد أن المصريين القدماء اهتموا بحماية وصيانة نهر النيل, وذهبوا إلى أبعد من ذلك حيث اعتبروا أن منابعه فى إفريقيا جزء لا يتجزأ من منظومته المتكاملة, بل وقدسوه وأهدوا له عروساً جميلاً فى كل عام. فالنيل هو المانح للحياة, وصانع الحضارة.


وقد تحددت حصة مصر من مياه النيل عام 1929م، وفق اتفاقية «تقاسم مياه النيل» والتى من ضمن بنودها أن لمصر حق الاعتراض فى حال إنشاء أى من دول حوض النيل لمشروعات على النهر أو روافده تؤثر على حصتها المحددة من مياه النهر، وحجة إثيوبيا وبعض دول حوض النيل لرفض هذه الاتفاقية هى أنه تم إبرامها من قبل الاستعمار البريطانى. وهناك أيضا اتفاقية 1959م بين مصر والسودان والتى بموجبها تم ضبط تقسيم مياه النيل بينهما (مع الإشارة إلى أن ذلك تم فى حدود الحصص المقررة لكل منهما بحسب اتفاقية 1929م) ونذكر أنه لم تتحفظ أو تعترض دول حوض النيل باستثناء إثيوبيا على هذه الاتفاقية فى وقتها, كما أنه بموجبها قد تنازلت مصر عن حقها فى الاعتراض على إقامة مشروعات تؤثر على حصتها، وجعلت حق التفتيش للجنة مشتركة من دول حوض النيل. ومع ذلك اتخذت دول الحوض فيما بعد موقفا موحدا فى رفضها جميع الاتفاقيات الخاصة بنهر النيل.

وهنا أود الإشارة فى عجالة لنقطتين فى غاية الأهمية أولاً: ضربنا بعرض الحائط لمواقف دول حوض النيل برفضها تلك الاتفاقيات, حيث إنه لم يحدث أى تحرك استراتيجى من جانبنا حتى عام 2011 م وبدء إثيوبيا المنفرد بالشروع فى بناء سد النهضة. وثانيا: ما يظهره ذلك أيضا من مدى اختراق إسرائيل لإفريقيا وخاصة بعد عام 1973م كما أوضحنا فى مقالنا السابق، وإتباعها لاستراتيجية جديدة لاستعادة وتطوير وتعميق العلاقات مع دول القارة الإفريقية لتحقيق مصالحها الاستراتيجية, وتنامى دورها فى دفع ودعم وزيادة التأثير فى صناعة قرارات تلك الدول، خاصة تلك التى تتعلق بمصالحنا وأمننا القومى.

وقد تزامن شروع «أديس أبابا» فى بناء «سد النهضة» مع وصول الإخوان للحكم، ولنتذكر سويا بكل أسف الاجتماع السرى المصور والذى تم إذاعته على الهواء, وتلويح الرئيس المعزول محمد مرسى ضمنيا باحتمالية التدخل العسكرى فى أثيوبيا فى حال استمرارها فى بناء السد دون مراعاة لحقوق مصر، حيث قال: إن كل الحلول مطروحة! بينما اقترح بعض جهابذة السياسة ممن حضروا هذا الاجتماع التاريخى بوجوب التدخل العسكرى صراحة, فى حين اقترح آخر ممن كان يمثل تيار المعارضة أن تقوم الدولة المصرية بهدم هذا السد!! وفى المقابل طبعا جاء رد الفعل الإثيوبى سلبياً ومتوقعاً، بعد هذا الهراء السياسى والدبلوماسى، والبعيد عن حكمة وحنكة الدولة المصرية فى تعاطيها مع ملفاتها الخارجية، فكان رد رئيس الوزراء الإثيوبى هايلى ميريام ديسيلين بأنه (لا أحد يستطيع الوقوف أمام بناء السد).


ولحديثنا بقية....



0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Fox Egypt News Magazine 2014 © جميع الحقوق محفوظة © تصميم الموقع : مجدي البروفسير