روح الحضـــــــــــارة

بقلم هبه عبد العزيز

إن بناء الأرض تطلب من الانسان آلالاف السنين, وقد كان المصري القديم أول من إستطاع أن يصل إلى المعرفة والعلم اللذان مكناه من البناء, فقد تمتع بصفات أكسبته على مر العصور ما يعرف (بروح الحضارة) جوهر الحضارة البشرية, والتى تمثلت فى (ذكاء انسانى)  إستطاع من خلاله أن يحفاظ على التوازن ما بين إنجازاته ومكتسباته فى الماضى, والتطور والتجدد والإبداع المستمر, هذا الابداع الذى إستمر فى التدفق لآلاف السنين آثرى به المصريون القدماء الأنسانية.

فعبارة"هيرودوت" الشهيرة أن (مصر هبه النيل) أرى أنها بلورت لنا صفات (روح الحضارة), حيث أن النيل ينبع ويجرى فى دول عدة لم يبنى أهلها حضارة كما بنى المصريون, وتتجلى الصفات المصرية الأصيلة  فى (أهل النوبة) سكان ضفاف النيل وخاصة قبل عمليات التهجير, حيث ترى الإنسان ذى البشرة الداكنه, الذى تسكنه الطمائنينه ,بشوش الوجه, محب للغير, ومتقبل للإختلاف, متقن لعمله, ويتحلى بصفات كالصدق, الصبر, والنظام ...وغيرها، فهذا هو المصرى القديم، وتلك هى صفاته التى إستخدمها فى صانعة أول حضارات التاريخ, وقد أثبتت النصوص التاريخية أن معظم ملوك وملكات الأسر الفرعونية الوسطى كانوا من ذوى البشرة السمراء.

وقد تكالب على مصر الغزاة والمستعمرين, منهم أصحاب حضارات ومنهم ما دون ذلك, وإن لم يكونوا الأثرى الا أنهم  كانوا الأقوى. وقد فرضت على المجتمع المصرى لغات غير "اللغة الهيلوغريفية" لغة حضارته وتاريخه, وهكذا كانت البداية لإنحصار وإنفصال المصريون عن حضارتهم العريقة, وباتوا يفقدون شيئا فشىء معارفهم وثقافتهم مع مرور الزمن وتعاقب الاجيال، إلا أنهم حملوا فى وجدانهم مكتسبات وروح هده الحضارة.


ومرت القرون وجاء الفتح الاسلامى لمصر, وأضفت الإمبراطورية الإسلامية  على المجتمع المصرى بعض الصفات الجليلة , والتى فى أعتقادنا أن صفة (التسامح) كانت من أهمها, فالتسامح هو جوهر الدين الإسلامى, هذا التسامح الذى أتاح مجال واسع للتعايش بين العديد من الإنتماءات المختلفة بثقافاتها المتعددة, فقد عاش على أرض مصر المسلمين والمسحيين واليهود, مما هيىء الظروف للعمل والإبداع  فى جميع المجالات,حتى يذكرنا التاريخ  بأنه قد تم افتتاح أول مستشفى عام 872 م فى مصر, وإنتشرت بعد ذلك المستشفيات فى كل أنحاء الإمبراطورية الإسلامية. كذلك كان إختلاف الرأى فى الفقه الإسلامى للائمة الاربعة, من أكثر الأدلة على حرية الفكر والتعبير, فقد كفل الأسلام حق (الحرية), تلك الحرية المسؤلة فى إطارالدين والأخلاق اللذان مثلا محور التقدم آنداك. وأستمر الأمر كذلك إلى أن إنهارت الإمبراطورية الإسلامية لأسباب عدة يطول شرحها , إلا أننا نرى أن البعد عن جوهر الدين والأخلاق كانا أحد أهم أسباب هذا الانهيار, حيث إنحل الاطار الذى تتفاعل فى داخله المنظومة بكل إيجابياتها وسلبياتها.

وتوالى بعد ذلك المستعمرين على مصر, وعانى أهلها من السلب والنهب لخيرات وثروات بلادهم. إلا أن هاتين الحضارتين تركتا  العديد من المكتسبات الإيجابية  فى وجدان المصريين,  وقد ظلت تلك المكتسبات فى أحيان كثيرة سجينة دوامة الاحداث.

فعندما نتأمل مشهدا كثيرا ما يتكرر كالمشاجرات فى الشارع أو على المقهى ونسمع صياحا وألفاظا تتناثر بين المتشاجرين, ويتجمع الناس فى محاولة لإسترضاء و تهدئة الطرفين, إلى أن ينتهى الامر غالبا بالتصالح, فنجد أن اخراج طاقة الغضب بالصياح, وعدم التهجم  بالأيدى على الأخر وإيدائه بدنيا, كما أن الدخول كطرف فى مشكلة ليس للمجتمعين فيها ناقة ولا جمل, كلها صفات متوارثة  فى الوجدان,  ومكتسبات يرى فيها المصريين أن مبدأ الكرامة يجب إحترامه, ويثبت أنه لافرق بين إنسان وآخر على أعتبار الديانة أو المذهب أو الجنس. وأيضا عندما نفكر فيما إستطاع أن يحققه المصريون من نجاحات فى مختلف المجالات وبخاصة فى الخارج, فى مناخ أو نظام يثيب المتفوق و يجعل منه قدوه يحتذى بها, كلها مكتسبات فى والوجدان تظهر عندما يتم أستدعائها أو تتوافر الاجواء المواتية.

إن القدرة هى تراكم لتاريخ طويل من بناء حضارة ومعايشة تجارب ومعاناة عاش بها وفيها شعب, وتركت فى نفوس أفراده ووجدانهم مفرادات تعبر عن هويتهم, بحيث أصبح من غير المعقول أو المقبول لديه محاولة تغيرها او تبديلها فهى التى تتحكم فى تصرفاته تجاه الاحداث, وهى بمثاة أدوات يستعمل ما يراه مناسبا منها لكل ظرف يمر به.

والمقدرة هنا يعبر عنها بالإرادة التى يستدعيها المصريون دفاعا عن أنفسهم, خاصة عند شعورهم بالخطر, فهذا الشعور تحديدا اذا لامسه هب رافضا وثائرا ليلفظ ما يهدد كيانه وهويته اللذان هما حياته,  فدائما صوت هذه الروح السجينة يدعوه الى أن ينطلق الى حضارة الحياة.

إن تلك المقدرة التى ينوء بها وجدن هذا الشعب, يمكن أن تترجم الى إرادة, يبنى بها بلاده, ولكن ما ينقصنا فى هذه المرحلة هو الصدق الذى طال انتظاره من الشعب المصرى,  والذى بدونه لا يمكن أن يخرج ما في داخله من قدرات للبناء,  لتقوم بلاده مرة آخرى, وتصبح منبرا حرا يصون كرامة الانسان وحياته.



0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Fox Egypt News Magazine 2014 © جميع الحقوق محفوظة © تصميم الموقع : مجدي البروفسير