أمننا القومى والإختراق الإسرائيلى لإفريقيا(4)

كتبت/ هبه عبد العزيز
    
مصر وإثيوبيا.....وبينهما إسرائيل! هذه هى أحد أهم أبعاد "أزمة سد النهضة", ونستطيع القول الآن ونحن مطمئنين لحد كبير, بأنها (كانت) أهم الأبعاد حتى ماضى قريب, فمنذ تولت القيادة السياسية الحالية زمام الأمور فى البلاد, وبدا حرصها على إستعادة الدور المصرى الرائد والفاعل على كافة المستويات وبخاصة فى إفريقيا , فظهرت فى الأفق بوادر جيدة, كنتيجة لتبنى السياسة المصرية الخارجية لإستراتيجية مختلفة فى تعاملها مع الدائرة الإفريقية, تسعى من خلالها الأن إلى تعزيز سبل التعاون لتحقيق المصالح المشتركة بيننا وبين دول القارة السمراء.

فالطبيعة تأبى دائما الفراغ, هكذا تقول القاعدة, وقد تركنا فراغا كبيرا عميقا فى أفريقيا لسنوات وسنوات, جاءت وملئته الدولة الإسرائيلة بما يحقق لها مصالحها الإستراتيجية وأمنها المائى الذى كان من ضمن أهم الأهداف الصهيونية كما أوضحنا من قبل فى مقالاتنا السابقة, وبما يشكل فى نفس الوقت تهديدا خطيرا علينا, بات هذا التهديد جليا ومباشرا وبخاصة فى السنوات الأخيرة على أمننا القومى والمائى, بل ووجودنا, وعلينا أن نعى جيدا أننا نواجه حرب وجود!


ولعلنا ندرك حقيقة أن الواقع السياسى والجغرافى والتاريخى تؤكد لنا وجود مصلحة وطنية لمصر مع دول حوض النيل, وقد وجب على الدولة المصرية وهى تسعى للدفاع عن أمنها المائى, أن تعمل أيضا على توضيح موقفها المتوازن والذى عبرت عنه القيادة السياسية أثناء زيارتها فى مارس الماضى ل"أديس أبابا" بتصريحاتها حول حرصها ودعمها التام للمصالح الأثيوبية ومشروعاتها التنموية , وذلك فى حدود قواعد الحفاظ على المصلحة الوطنية والأمن القومى. وهوموقف رسمى معلن صريح ومحدد, يراعى أحكام القانون والعرف الدوليين, وإعمالا بقاعدة لا ضرر ولا ضرار, وينطوى على التعامل بموضوعية وعدالة فى التعامل مع قضايا ومشكلات حوض النيل, حيث أن إدارة أزمة السد تستلزم إدارة التعارض ما بين مصالحنا العليا والمصالح العليا أيضا لدول حوض النيل, الأمر الذى يتطلب حتمية إحداث توافق وتوازن بين أهداف ومصالح الطرفين,بواقعية وموضوعية وإيجابية.


وفى هذا الصدد, وقبل أن نفرد مساحة لإستعراض والقاء الضوء على دور الدولة المصرية وسياساتها الخارجية فى التعاطى مع ما يوجهنا من مشكلات فى إفريقيا, تأتى على رأسها أزمة "سد النهضة" , وما حدث مؤخرا فى القمة السداسية الآخيرة التى عقدت بين وزراء الخارجية والرى بالدول الثلاث مصر والسودان وأثيوبيا, والتوقيع على "وثيقة الخرطوم" ......فدعونا أولا نرجع الى الوراء قليلا ونلقى نظرة على الدورالاسرائيلى  فى أزمة السد من خلال مبادرة هامة جدا وخطيرة, وهى "مبادرة حوض النيل"والتى خرج  من رحمها فكرة إنشاء "سد النهضة", فهل تعلم قارىء العزيز بأن لإسرائيل طابق كامل فى وزارة الموارد المائية والكهرباء فى "أديس أبابا"! وأن إسرائيل قامت أيضا بتدريب  500 مهندس رى إثيوبى فى "تل أبيب"! كما وقامت بتوقيع إتفاقية بين وزارة الكهرباء الإثيوبية وشركة "تل أبيب" لإدارة كهرباء إثيوبيا! هذا وقد نشر بمجلة "النيوزويك" الأمريكية تقريرا ذكر فيه أن (الغرض من إنشاء "سد النهضة" هو السيطرة على المياه)!.


وتعد "وثيقة حوض النيل"  بمثابة الفخ الذى وقعت فيه كلا من مصر والسودان مع باقى دول حوض النيل, فقد جذرت لأسباب الخلافات ما بين مصروالسودان من جانب وباقى دول المنبع من جانب آخر, فهى بالأساس فكرة صهيونية, أعدها "هاجى إيرليخ" خبير مياه إسرائيلى ،فى دراسة مكونه من 280 صفحة تحت إسم "الصليب و النهر ..إثيوبيا مصر والنيل", وتم العمل عليها حوالى 10 سنوات, قبل الخروج بفكرة الوثيقة, وذلك بالتمويل من المؤسسة الإسرائيلية للعلوم ومعهد السلام الأمريكى, فقد خططت إسرائيل لتضخيم فكرة أن يصبح نهر النيل (مسألة حياة أوموت) بالنسبة لدول المنبع وأيضا لدول المصب, ومن ثم تصبح البيئة صالحة لزرع الفتن وتأجيجها, معولة على ما تعانيه معظم دول المنبع وبخاصة أثيوبيا من ظروف معيشية سيئة وفقر و.......ثم عملت على الترويج بأن نهر النيل هو الكنز وهو السبيل إلى النمو والتنمية, فهو "النفط الابيض"! وقد إنتهت هده الدراسة الى ضرورة بناء أثيوبيا  ل 26 سد من بينها "سد النهضة", ودفع دول الحوض لتوقيع إتفاقية جديدة تجمع كل دول حوض النيل فى إتحاد جديد ( الهدف الأساسى منه هو إلغاء الإتفاقيات السابقة "إتفاقية 1929م , وإتفاقية 1959 م , تحدثنا عنهما فى مقالنا السابق), وقد تخفت إسرائيل وراء البنك الدولى وبعض المنظمات الأوروبية لتنفيذ مخططاتها, حيث بدأ البنك الدولى وعدد من المنظمات فى تقديم مشاريع سبقتها دراسات علمية دقيقة وتفصيلية عن إستخدامات دول حوض النيل للنهر, وبدأت بالمطالبة فى العديد من المؤتمرات الدولية بضرورة تأسيس مفوضية أو مبادرة جديدة لإدارة المنح التى سيقدمها البنك وتلك المنظمات لتمويل المشروعات التنموية المقترحة, وبالفعل تم عقد " مبادرة حوض النيل", والحقت بها الإتفاقية الإطارية "عنتيبى" والتى تضمنت ثلاث نقاط خلافية وهى :حق الاخطار المسبق بالمشاريع المائية, إتخاذ القرارت بالأغلبية بدلا من الإجماع, وإلغاء الإتفاقيات السابقة!!! لذا اعترضت القاهرة والخرطوم ورفضتا التوقيع على"عنتيبى"وتم تعليق النشاط ، ولنا أن نعلم أيضا أنه إذا أنشأت إسرائيل كيانا إقتصاديا مع دول المنبع، فسيكون من حقها الحصول على المياه، وهو  ما تسعى اليه عبر المادة المتعلقة بإتخاذ القرار بالأغلبية كما ورد فى إتفاقية "عنتيبى"بدلا من الإجماع كما كان فى الإتفاقيات السابقة.


والدور المصرى فى هذا الشأن سيكون محتوى مقالنا القادم بإذن الله.


0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Fox Egypt News Magazine 2014 © جميع الحقوق محفوظة © تصميم الموقع : مجدي البروفسير