كوردستان سحر الطبيعة وعبق التاريخ

بقلم - سارة السهيل 

كوردستان العراق نموذج لابداع الخالق العظيم في طبيعتها الجبلية المكسوة بالخضرة الناضرة ،وما ان تطأ قدمك فيها حتى تشعر بأنك في جنة الله بارضه. فهذه الطبيعةالجبلية الوعرة ربما كانت سببا في صمود شعبها لحقب زمنية طويلة المعروف عنه التسامح والغفران، لكنه في خضم تكالب دول الجوار من حوله، ظل صامدا كصخور الجبال محافظا على لغته وثقافته واصوله وعاداته وتقاليده، ودون ان ينسى حقه في الدفاع عن وطنه حتي حصل على حكم ذاتي .

ولخص أحد شعراء كوردستان هذه المعاني في قصيدة حب لوطنه قائلا "

كوردستان

كوردستان ... جنة الله

وارض الطيبين

احفاد صلاح الدين

خُدعوا ... بمكر الاعداء تارةً

واخرى بأسم الدين

ولكن العزم لتحريرها ...

سوف لن يلين

ولن يستكين



المرأة بين الزعامة والتقاليد

تتسم المرأة الكوردية بجمال أصيل ، ربما يرتبط ذلك بجمال الطبيعة الخلابة في هذه المنطقة، ومبكرا كشف الرحالة الذين زاروا هذا الاقليم عن سمات اختص بها شعب كوردستان، فهم أكثر الشعوب تسامحاً تجاه المرأة، بمنحها حرية التعبير والرأي وإعطائها مكانتها التي تستحقها. ورصدت دراسات المستشرقين وجود زعامة للمرأة الكوردية على رأس القرية والقبيلة، وهو ما يؤكد أن المجتمع الكوردي يتقبل زعامة المرأة، ربما بسبب الحروب التي خاضتها الأمة الكوردية ضد الغزاة، دفاعاً عن وجودها وترابها الوطني .

وتجلى حضور المرأة الكوردية في تسعينيات القرن الماضي، عبر دورها الفعال في انتفاضة مارس/آذار عام 1991، حيث حررت المرأة من الظلم والعنف والقمع والإرهاب من جانب المركزية في بغداد، وتوالى حضورها السياسي حيث شكلت نسبة النساء (5.7%) في الدورة الأولى لبرلمان كوردستان عام 1992، وارتفعت النسبة إلى (27%) للدورة الثانية عام2005 . بينما تولت منصة القضاء لأول مرة عام 1997.

ورغم التطور الكبير بحق المرأة الكوردية ارتباطا بالحداثة، فانها لا تزال تعاني من بقاء بعض العادات والتقاليد القديمة في بعض المناطق مثل تفضيل الذكور على الإناث، والزواج المبكر وخاصة في المجتمع الريفي.

إلا أنني أكاد انسى هذا الأمر كلما مررت بآثار قصر الأميرة خانزاد بنت حسن بك التي كانت خلال الفترة (1555-1615م) وقد تقلدت الحكم بعد حادث مصرع زوجها غدرا وهو الأمير سليمان حاكم إمارة سوران

ومن المثير لي شخصيا أنني أجد اسمي (سارة )في كل مكان فادركت انه اسم محبوب لدى الكورد و سعدت بذلك حتى جبل سارة الشاهق يعانق القمر ليلا فلو نظرت إليه تخيلت النجوم تحتفي به و تدور حوله بإيقاع من النور الراقص كزفاف عاشقين في قمة السعادة و سألت عن سر تسمية هذا الجبل سارة فقال لي أحد الأصدقاء أنها سارة كانت زوجة أحد السلاطين الكورد و كانت طيبة جدا و محبوبه و قال لي ان الكورد يحبون اي شخص يأتي إليهم فسارة لم تكن كوردية ولكنهم احتضنوها واحبوها وقال لي انها تشبه هذا الجبل بعينيها الخضراوين و شعرها الأصفر بتموجات ألوان الأشجار و الأغصان بين الأخضر و الأصفر وألوان الورود الحمراء والبيضاء كالاميرة سارة وأكمل ان لها قصة رومانسية مع السلطان ولكن لم يسعفني الوقت بأن اسمع القصه ولكنني تخيلتها.



عادات وتقاليد

طابع الحداثة طغى على المجتمع الكوردي شأنه شأن المجتمعات العصرية في المأكل والمشرب والسلوك اليومي ، غير مفردات العادات والتقاليد الموروثة لا يزال المجتمع الكوردي يحافظ عليها مثل مأكولاته وازيائه التراثية وفي المناسبات الاجتماعية مثل الافراح، ومن أهم الأعياد عيد النوروز وليلة برات معناها ليلة توزيع الأرزاق وتوجود ليلة اخرى يحتفلون بها كورد ايران بالأخص اسمها ليلة يلدا وهي تعتبر أطول ليلة من ليالي الشتاء يأكلون الرمان و البطيخ الأحمر ليلة ٢١ من الشهر الاخير من السنة كانون الاول اي ديسمبر كما لا يزال المجتمع الكوردي يحتفظ باسراره من القصص والأساطير .

فهم ينتظرون سقوط الامطار اذا ما خفضت العنزة ذنبها، وينتظرون قدوم الضيف اذا مسحت القطة وجهها بقائمتيها. ويعتبرون العروس نحسا اذا مات والد زوجها قبل الزفاف، وحينما يولد الطفل تتم حراسته لمدة أسبوع عبر وضع سكين وإبرة كبيرة أو قشرة بصل وذلك لتطرد عنه الجن . كما يعتقدون ان ظهور ضوء أحمر من جهة معينة دليل على نشوب حرب ناحية هذه الجهة كما يعتقدون بأكل الثلج بعد الثلجة الأولى كنوع من التقليد بعد خلطه مع الدبس و ربما أنا شخصيا أجد نفسي أميل لهذه العادات التي تعطي طابعا خاصا للشعوب وتجعل له نكهة مميزة و تصنع تراثا اجتماعيا يجذب الشعراء و يكون وطنا لخيال الشاعر و بحر من المفردات للقصص والروايات التي يحيكها الكتاب كما أنني وجدت نفسي أؤمن ببعض هذه المعتقدات وامارسها دون أن أعلم مسبقا انها من التراث الكوردي .

واستنتجت أن التنوع في العادات و اللهجات و الملابس و الفلكلور من مدينة لأخرى و من عشيرة لأخرى أثرى المشهد الثقافي وجعله غنيا ومتنوعا كما تعدد الأديان والطوائف بين مسلم ومسيحي ويهودي و يزيدي وكاكائي و زردشتي و بهائي رغم أن الديانه الأغلبية هي الإسلام بطوائف مختلفه بين شيعي و سني و صوفي وغيرها إلا أن الطابع الثقافي موروث من الزردشتيه ليس كدين وإنما كثقافة
كما فرحت جدا عندما عرفت ان البهائية عند بلوغ الإنسان بنت او ولد سن الثامنة عشر يجب ان يخدم الناس لمدة سنة مجانا


سحر الطبيعة وعبق الحضارة

يتمتع إقليم كردستان بطبيعة ساحرة خلابة كما يفوح من مناطقها القديمة عبق التاريخ فاربيل التي تمثل القلب والمركز تزدحم بالسكان، لكونها مدينة موغلة في القدم حيث ذكرت في كتابات الملك السومري شولكي(2000ق.م), وكانت تعرف لدى البابليين والآشوريين باسم أربا إيلو وهي الموقع الآشوري الوحيد الذي ظل آهلا بالسكان .

تحتفظ اربيل بقلعتها القديمة، كما تحظى بجانب تراثها التاريخي العتيق بأهمية تجارية كبري وبمصايفها مثل مصيف صلاح الدين الذي يقع على جبل بيرمام الذي تكثر عليه أشجار السرو والبلوط .

بينما يقع مصيف شقلاوة, على سفح جبل سفين، ويتميز بروعة جماله لتوسطه قمم الجبال التي تحيط به وكثرة بساتينه حيث تنمو أشجار الجوز واللوز والرمان والأعناب والاسفندار والسرو ومختلف الفواكه الجبلية، كما يحفل هذا المصيف بعدد من الفنادق والمقاهي.

ولعله من ابدع المناظر الخلابة في كوردستان هي مناظر الشلالات والمساقط المائية التي تعتبر ثروة من الثروات الطبيعية التي لها الأثر الكبير على موارد البلاد من الناحية الاقتصادية والسياحية. ومن أشهرها شلال "كلي علي بيك" القريب من بلدة ديانا والذي ينحدر من أعالي الجبال ليشكل لوحة رائعة رسمها الخلاق بعظمته وقدرته . وأيضاً شلالات بيخال التي تتميز باعتمادها على المياه الجوفية، وبجانب كثرة الاشجار والاعشاب النادرة والجميلة فوق سفوح الجبال والوديان والسهول الخضراء جعل من الطبيعة الجبلية الخلابة في كوردستان منطقة سياحية لامثيل لها في العالم .

كما المحميات الطبيعيه للأعشاب و الحيوانات المعرضه للإنقراض حيث سبقت كوردستان جاراتها في الإنتباه لأهمية الحفاظ على البيئة و العنف ضد الحيوان و المحافظة على الأعشاب من الانقراض وتنتشر المنتجعات السياحية ايضا في السليمانية ودهوك ودوكان والتي تمثل مقصدا سياحيا مهما لكنها لا تزال تحتاج لمزيد من الجهد من جانب المختصين بتنمية النشاط السياحي واجتذاب الشركات العالمية للاستثمار وتنمية هذه المناطق الطبيعية الساحرة وتوظيف مناطقها التراثية العريقة

والتي تستوعب الكثير من الأفكار التي تشد السياح الذين بإمكانهم ممارسة النشاطات والهوايات المختلفة من تسلق الجبال أو التزلج على الثلوج أو من المهتمين بمراقبة الحيوانات أو الجلوس بالطبيعة أو الزراعه و ايضا سباق السيارات و الرالي و الدراجات بين الجبال و الطرق المتعرجة إلا أنني أجد أن في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها المنطقة بأكملها ربما من الأرجح أمنيا أن تجمد هذه الأفكار مؤقتا حتى يعم السلام على المنطقة.


زياراتي المتكررة لكوردستان عرفتني على شعراء و فنانين استوحوا كتاباتهم مما الهمتم الطبيعه فما أجمل أن تمتزج الطبيعة مع الحبر لترسم لنا أجمل المشاعر بريشة تشبه ريشة العازف على أنغام الوطن.


ومن الشعر الكوردي المترجم

من ذا يقول : أن ليس للأنهار هم

إنها إن لم تكن حزينة , فلماذا تئن إذن ؟!

ومن ذا الذي يقول : أن ليس للنهر حبيبة

إنه إن لم يكن يحب

فلمن يجلب كل هذه الزهور ؟! ..


و يمكن لأي قاريء أن يلمس بسهولة رومانسية الشعب الكوردي بعواطفه الدافئة وقد لاحظت كثيرا لديهم اعتبار المرأة وطن و ياله من تشبيه في محله فكيف لا و المرأة هي الدفء و الحنان والأمان و الملجأ الدافيء المتفجر عطاء.



ومن الأعمال الأدبية الشهيرة

مأساة مام وزين كتب دراما مامو زين في 1694

وقصة حب على غرار روميو و جوليت حيث يموت البطل بسبب مؤامرة من قبل شخص يدعى بكر و حين تعلم زين بموته تموت هي الأخرى و دفنت بجواره أما القصائد باللغة الكوردية فمن أقدمها قصيدة هورمزجان من القرن السابع باللهجة الهورمانية كون للغة الكوردية لهجات رئيسية أربعة من زازاكي، غوراني، الكورمانجية والسورانية، اما الكتابة باللهجة السورانية لم تكن شائعة قبل القرن الثامن عشر، واول من كتب الشعر باللهجة السورانية هو الشاعر نالي وتبعه حاجي قادر من كوي سنجق في وسط كردستان ، والشيخ رضا الطالباني.



أما اقدم شاعر كوردي عرف للناس هو بابا طاهر،المعروف بالهمداني أو اللوري وهو شاعر صوفي ولد في همدان، التي كانت ضمن الأراضي الكردية،




ومن أشعاره:

للَّه عبيداً في زوايا الأرض عبرا لا تنال العين إلاجسداً

منهم وطمرا

أنسو باللَّه حتى حرجوا بالعيش صدرا

يَحسبون القصر قبراً

ويرون القبر قصراً

فإذا جنهم الليل رأو ابراً

وبشرا ًوجبالاً دحيت أرضاضاً وبحرا

ً عاد برا

ذلك السؤدد لا أنيس

حب الديباج كبرا


أما أشهر شعراء الكورد المعاصرين الذين لمعت أسماؤهم جكر خوين( القلب الدامي )

ومن قصائده:

من أنا

كردي أنا

في الأرض والسماء

وفي قصيدة أخرى يقول :

أين حدائقي وبساتيني

وأين رياضي وجناني

لقد احتلها الأعداء

آخ ...

أين كردستاني ... أين )؟!


وأشهر الشعراء الكورد أيضا هو شيركو بيكس بوستر، الذي خرج من المحلية للعالمية بإنسانية الكلمة و قال الكثير في حب الوطن و تغنى بجمال كوردستان و شدة بأس رجالها الكردي مفاهيم أكثر إنسانية وعالمية بإخراجها من محليتها وذاتيتها وقوقعة التغني بكردستان وجمالها وأمجاد مقاتليها وكحل قصائده بالحرية والكرامة والعدالة.


ومن قصائده:

نهضت قِطعةُ طباشير في الصف

ووقفت أمام الكراسي

قالت : سأغدو معلماً

رفعَ كرسيٌ يَدَهُ ،

سألَ :

عم يتحدثُ درسنا ؟؟

كتبت قطعةُ الطباشيرُ :

-تاريخُ جُرْح –

ذهبَ دير ياسين إلى السبورة

طفقت الحيطان تبكي

كبُرَ الجرحُ .. كبُرْ

إلى أن أصبحَ صفّ القراءةِ سفينة

رفعت شراعُ الدم

وأصبح المعلمُ قمراً

يرشدُ من جديد الطريق

الى

الأفق

الأفق البعيد ..!!!


كما ان هناك شعراء عرب أنصفوا الكورد وهم: محمد مهدي الجواهري، محمود درويش، وأدونيس


ولم يكن ملام أبو الشعراء وعظيم الشعر الجواهري

حين قال:

كردستان ياموطن الأبطال


قلبي لكردستان يُهدى والـــفم


ولقد يجود بأصـغـريـه الـمـعـُـدم


ودمي وإن لم يـُبـِق في جسمي دمـــا


غـرثى جـراح من دمائي تـطــعـم


تلكم هدية مستمــيــت مـــغـرم


انا المـضـحى والضـحـيـة مــغـرم


وغنتها المطربة ميادة الحناوي بملابس كوردية وعلم كوردستان

و شاعر المقاومة الفلسطينية محمود درويش، وهو يتعاطف مع كوردستان حيث يقول:

معكم

معكم قلوب الناس

لو طارت قذائف في الجبال

معكم عيون الناس

معكم أنا…أمي…أبي

وزيتوني وعطر البرتقال

معكم عواطفنا …قصائدنا

جنود في القتال

ياحارسين الشمس من أصفاد اشباه الرجال

ما مزقتنا الريح ان نضال أمتكم نضالي

ان خرَ منكم فارس شدَت على عنقي حبالي

هل خرَ مهرك يا صلاح الدين

هل هوت البيارق

هل سيفك صار مارق؟

في أرض كردستان

الليل يفترس الصباح

وحقول كردستان موسمها جراح

الحب ممنوع وهمس الجار ..لا شيءمباح

إلا دم الأكراد نفط الموقدين

مصباح عارهم بموت الأخرين


أما أدونيس الذي تناول الشأن الكوردي في مجموعته المعنونة ب(فضاء غبار الطلع) وفيها يقف على حملات الإبادة الجماعية بالسلاح الكيماوي وحملات الأنفال فيقول: أبجدية التاريخ مرايا مكسَرة:قطع زجاج تستغيث- مرايا بعدد الكرد الذين أنفلهم الطغيان:مئة وثمانون ألف قطعة.في سقفه تتلألأ خمسة آلاف من المصابيح بعدد القتلى الذين خلفهم القصف الكيماوي.

كيف لا يكتب العرب عن كوردستان وأمير الشعراء العرب من أصل كوردي احمد شوقي الذي توج الأدب العربي بجواهر أدبه الراقي وترك ارثا ثقافيا تتوارثه الأجيال فهذا الربط الوثيق و الصله المتينه بين العرب و الكورد من بدء البداية لا يوجد عربي و لا كوردي لم يسمع بإسم صلاح الدين الأيوبي لكن البعض لا يعرف انه جاء في اضباره في دائرة الآثار العراقية في بغداد رقمها ١.٢ ان صلاح الدين الايوبي ينتمي لعشيرة الزراري في أربيل ولايزال قبور جنوده موجوده في احدى القرى خارج مدينة أربيل ومرسوم على القبور رمز الخنجر اما تحريره القدس لم يكن الموقف الأوحد بين الأبطال و جيرانهم.

ربما يتوجب علي أن أنهي مقالي بمصداقية لا أدري كيف سيتقبلها البعض إلا أن الضمير الإنساني يحتم علي أن أشهد بالحق أن هذا الشعب ذاق الظلم من قتل و سفك دماء الأبرياء و احتلال و إعتداء ولم أجد أي مبرر لهذه العداوة إلا أن هذا الشعب معتز بارضه وقوميته ولغته وتراث وهذا حق شرعي ومشرف فالأولى أن يتعلمون منهم لا ان يعادوهم .

1 التعليقات:

  1. مقال راءع وشيق ومعلومات قيمه قدمت بسلاسه ويسر سلمت يمينك

    ردحذف

 
Fox Egypt News Magazine 2014 © جميع الحقوق محفوظة © تصميم الموقع : مجدي البروفسير