الشخصية العربيــــة ...والمزاج العربـــى (4)

بقلم/هبه عبد العزيز

(أذا أثبت أحدهم أننى مخطىء, وإستطاع أن يرينى خطئى فى أى فكرة أو تصرف, فسوف أغير من نفسى بكل سرور, فأنا أبحث عن الحقيقة والحقيقة لن تضر بأى أحد قط, إنما الضرر الحقيقى ففى المعاناة والإصرار على الجهل وخداع الذات).


قصدت الإستهلال بتلك الكلمات للإمبراطور و الفيلسوف الرومانى" ماركوس أوريليوس" للتأكيد مرة آخرى على ما ذكرته فى أول مقالتى لهذه السلسة, وهو أننى كإنسانة عربية شرقية قبل كونى كاتبة لست هنا لأمارس النقد كنوع من جلد الذات أوالمازوخية! بل لعشقى وحرصى على مجتمعى الذى أنتمى إليه، فكما ذكرت أن معرفة الجانب المعنوى عن أنفسنا وشخصياتنا لا تقل أهمية أبدا عن معرفة الجانب المادى، لذا وجب أن نتعرف على جوانب شخصياتنا (الإيجابى منها لتنميته، والسلبى لمعالجته), وكذلك طبيعة مزاجنا, ونكون واسعى الصدر لتقبل النقد الذاتى، إذا أردنا مستقبلاً مختلفاً نعيش فيه حياة أكثر راحة،سعادة، وتحضر.


وبعد هذه الأسطر وتلك المقدمة التى رأيت أنه من ألاهمية أن أبدأ بها مقالى هذا الأسبوع , فيسعدنى أن أجدد الترحيب بكم قرائى الكرام للمرة الرابعة على التوالى فى رحلة البحث بداخل أعماقنا, والتجول ما بين جنبات صفات ومزاج الشخصية العربية الشرقية التى ننتمى إليها جميعا. وكنا قد طرحنا فى المقال السابق تساؤلا بخصوص  مدى إستقلال الشخصية العربية  فى الفكر والرأى, وناقشنا بعض العوامل المؤثرة فى ذلك فى مجتمعاتنا , وإختتمنا أيضا بمدى الإرتباط ما بين صناعة التقدم والحضارة من ناحية ووجود شخصيات حرة مستقلة الرأى والفكر من الناحية الاخرى.

وكالعادة عندما أمسكت بالقلم لأكتب، فإذا بالعديد من الأفكار تطوف من حولى، والكثير من الأسئلة والتى بدأت تحاصرنى, ولا أدرى بأيهم أبدء!!!

ولكن السؤال الأكثر إلحاحا كان : لماذا معظم المشاكل السخيفة لا تحل فى المجتمعات الإنسانية العربية؟؟؟

وقد لفت نظرى ولعل بعضكم أيضا أننا غالبا ما نستريح أكثر فى طريقة تفكيرنا أو حكمنا على الأشياء للشكل المطلق, بمعنى أن الأمور قد تبدو لنا إما أبيض أو أسود ، خير أو شر ،  كذب أو صدق......إما أن نقبل الموضوع كله أو نرفضه كله.....وهكذا, فى حين أن هذه النظرة عادة ما تبعدنا عن الحقيقة ، وبالتالى لا تساعدنا فى الوصول إلى الحلول الواقعية العملية للأمور.

فإذا أردنا أن نكون أشخاص أكثر فاعلية ومؤثرين بطريقة إيجابية, إذن فالننظر للحياة من "منظور قوس قزح"! , فالحياة ليست لونين بل سبعة ألوان بدرجاتهم المختلفة.

ومن ضمن ما جال بخاطرى أيضا، أننا أصبحنا نفتقد للقدوة والمثل الأعلى فى حياتنا وخاصة فى الآونة الآخيرة بشكل كبير, وعندما يفقد الإنسان المثل الأعلى يفقد بالتالى جوهره الإنسانى الحقيقى"بمفهومه الواسع" , والذى يحمل مقاييس ومبادىء قيم الخير والحق والجمال,...... تلك المبادىء التى تنعكس فى كل المظاهر البشرية من السلوك والعمل والعمران والتعليم و........إلخ,  فالشخصية العربية عندما تستدعى وتحى المثل الأعلى والقدوة الحسنة وتتوق إلي ذلك سواء من جوهر معتقداتها الدينية أو من ترثها التاريخى الحافل فى مجالات شتى بروائع لبشر وشخصيات عربية ممن أثروا وجداننا وفكرنا, فحتما ستتحرر مما لحق بها من براثن ومظاهر التخلف و العشوائية والتى باتت تحاصرنا فى كل وادى.

فمن ليس لديه "مثل أعلى"كيف سيشعر بأنه ضل الطريق؟ وإلام يرجع إن شعر بضلاله؟؟؟.

وإدا كنا  قد تحدثنا عن القدوة و أهميتها, فأرى أنه من الأهمية أيضا مناقشة "الإتقان" فى حياة الشخصية العربية.  كقيمة تحث عليها جميع الأديان, تلك القيمة التى تصنع السعادة والكرامة ! وقد يسألنى البعض وما العلاقة ما بين الإتقان من ناحية  والسعادة  أو الكرامة من ناحية آخرى؟ وأجيبكم :  مؤكد  أن هناك علاقة وعلاقة وثيقة , فلو تحدثنا عن السعادة أولا, لوجدنا أن السعادة التى يخلقها العمل الناجح هى السعادة التى تدوم أكثر من غيرها,وقمة السعادة لن يبلغها الإنسان إلا بالإتقان, حتى ولو كان العمل بسيط فإن الإتقان يضفى عليه نوع من الهيبة و الجلالة, فإتقان العمل هو نوع من الإرتفاع به لدرجة العبادة. هذا بالنسبة للسعادة, أما بالنسبة للكرامة فسأحاول التوضيح بإيجاز حيث أن الإنسان الذى يتقن ما يقوم به من عمل يشعربكرامة لا يمكن لأحد أن يخدشها أو يمسها بسوء, حيث يصبح من الصعب أن يوجه إليه الآخرون إهانة أو نقد أو تأنيب, وذلك حتى مهما كان العمل بسيط, والإتقان لا يمكن أن يكون بدون التركيز وإحترام الوقت. فالمجتمعات المتقدمة والشخصيات الناجحة ينتمون لحزب الاتقان.

فالإتقان الذى كادت أن تختفى ملامحه من حولنا, ما إن تمسكنا به سيصبح طوق النجاة للعبور إلى بر الشعور بالسعادة وإسترداد الإحساس بالكرامة المفقودة وعزة النفس.

وختاما تعالوا بنا نتفق على أن الجمال هو سيد الأشياء كلها، وأن السعادة قريبة منا وموجودة فى المظاهر الحياتية الأكثر إنسانية، وبساطة، ووضوح ( فى فنجان من القهوة ، صوت عصفور فى الصباح،  إبتسامة وبراءة طفل ، وردة يهديها حبيب لحبيبه ، لحظة دفىء وحنان عائلية، .....)، ولكن لكى نحصل عليها  لابد لنا أن نعلن الحرب على كافة الأفكار المعادية للحياة والمسببة للآلام البشرية، ولنعادى تزوير المشاعر والنقاق والأكاذيب، والإفتعال.....فتعالوا نستمع لنبض قلوبنا، ونبحث عن طيف للأمل لنرى النور من حولنا.


0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Fox Egypt News Magazine 2014 © جميع الحقوق محفوظة © تصميم الموقع : مجدي البروفسير