العميــــــــــــــــــــــــدان
بقلم/هبه عبد العزيز

الرزق هبه السماء للبشر, وقد يكون أحيانا (بشر), يهبهم  الله لنا, ليضيفوا ويغيروا فى الحياة من حولنا. لكن الموت أقوى منا جميعا!. فقد رحل عن عالمنا الأسبوع الماضى قامتين بارزتين من جيل العظماء, هما بحسب الترتيب الزمنى للوفاة : فى عالم السياسة الدكتور/ بطرس غالى أول أمين عام  عربى مصرى باﻷمم المتحدة  أو كما أطلق عليه (عميد الدبلوماسية المصرية ,والأفريقى), وفى عالم الصحافة الأستاذ/ محمد حسنين هيكل الصحفى الكبير أو كما أطلق عليه أيضا (عميد الصحافة العربية, والأستاذ). وما بين عالمى السياسة والصحافة الكثير ، منه ماهو متشابها وغير متشابه!.

وعندما بحثت لم أجد موقفا حياتيا مباشرا جمع القامتين ببعضهما البعض, غير أنه و فى عام 1965 م وقع إختيار "عميد الصحافة" على "عميد الدبلوماسية" ليرأس مجلة (السياسة الدولية)  التى قرر الأهرام إصدارها, والتى جعل منها د/ بطرس غالى فيما بعد دليلا للعاملين فى الحقل الدبلوماسى.
 وعبر رحلة حياة طويلة عاشا خلالها العميدان وعمروا فى الأرض لأكثر من 90 عاما, تركا كلا منهما آثاره ووضع بصمته فى نواحى مختلفة  وعلى مستويات متعددة سولء فى : السياسة, الصحافة و الإعلام , الشئون الداخلية والخارجية, العربية والدولية, وحتى على الصعيد الإنسانى أو الشخصى....إلخ, لذا فإن كتابة مقال محدود المساحة يجمعهما أو حتى عن أحد منهما يضعنى ويضع أى إمرء فى مأزق!!! فأى جانب من جوانب الحياة الثرية, والإسهامات المتعددة نتناول؟.

ولعلنا نتفق أو نختلف مع أو حول أفكارهما أو مواقفهما السياسية, إلا أنه سيبقى فى الصحافة حسنين هيكل هو الأستاذ صاحب المدرسة المتميزة جدا , وفى مجال السياسة سيبقى بطرس غالى أول مصرى عربى عمل كأمين عام لمنظمة الأمم المتحدة.

ولا شك فى أننا قد طالعنا فى الصحف والبرامج اليومين السابقين الكثير والكثير من المعلومات حول حياة كلا من ا/ هيكل ود/ بطرس, ولا أريد أن أكرر شئيا مما قد يكون مر عليك قارىء الكريم, لذا سأحاول أن أكتفى بتسليط  قليل من الضوء على جانب محدد فقط.
 
فدكتور"بطرس غالى" هذا الرجل الذى  لعب دور هاما فى السياسة الخارجية, وكان ينظر إليه على أنه مدافعا قويا عن دول العالم الثالث, و كان شاهدا وطرفا فى مواجهة الإضطرابات التى هزت الإنسانية لحوالى نصف قرن من الزمن, وهو أيضا على المستوى الشخصى موجهى و ملهمى الذى إستلهمت منه حبى وعشقى للقارة السمراء, وكان أحد أهم أسباب إتجاهى للإهتمام بدراسة قضايا ومشكلات إفريقيا. وسألقى بعض من الضوء على دوره الفعال فى افريقيا، حيث تدهورت العلاقات مابين مصر والقارة الأم بعد غياب غالى عن سلطة إتخاء القرارات.


ففى إطار إحياء دور مصر فى إفريقيا, فقد كان له مبادرة إنشاء تجمع "الأندوجو"(وتعنى باللغة السواحلية الإفريقية "الأخوة") لدول حوض النيل, والتى لو نالت وقتها الإهتمام الذى تستحقه وحظيت بالاستمرارية، لكانت علاقات مصر مع دول حوض النيل تحولت إلى علاقات شراكة قائمة على تعاون يلبى مصالح متبادلة، ويبنى قاعدة لترتيبات إقليمية تكون مصر فيها فى موقع القلب.

- مبادرة إطلاق حوار إفريقى أمريكى لاتينى, كان لمصر دور السبق والريادة ولعب الدور التنسيقى فيه.

- إصدار "الكتب البيضاء" من جانب وزاة الخارجية  بغرض توثيق دور مصر الدبلوماسى بشأن قضايا معينة  مثل: نهر النيل , حركة عدم الإنحياز ,......الخ.

فقد عمل د/بطرس على تقوية علاقات مصر بإفريقيا,وأقام علاقات قوية مع رؤساء وزعماء القارة وأبرم إتفاقيات أقرت بحقوق مصر المائية،  ومن أقواله منذ عدة سنوات أن " لتر الماء سيصبح أغلى من لتر النفط" , وأن "الحرب القادمة ستكون على المياة".  وفى مقابله له معه مع وكالة "أسوشيتد برس" عام 2005  م  ذكر أن أمريكا بقيادة "بل كلينتون" وقادة آخرون عرقلت إتخاذ قرار بشأن "رواندا" عبر وضع شروط مستحيلة لدعم قوة حفظ السلام فى الدولة الافريقية الصغيرة،  لوقف المجزرة هناك عام 1994 م، والتى راح ضحيتها  حوالى نص مليون من التوتسى والهوتو المعتدلين،  فى 100 يوم . وصرح بأن هذا كان فشله الأكبر فى الأمم المتحدة.

دعا د/غالى أيضا لتعلم المصريين الغة السواحلية الإفريقية, وقال بأنها حتى أهم من الإنجليزية و الفرنسية،  حيث كان يرى أننا سنواجه حتما مشكلة إنفجار سكانى, ولن تغنينا أوربا حينها, بل ستكون إفريقيا هى السند.

أما أستاذنا الكبير/ محمد حسنين هيكل, فقد صرحت بأنه على الرغم من إختلافى معه أحيانا كثيرة على المستوى السياسى, إلا أنه سيبقى فى الصحافة وعالم الكتابة  بالنسبة لى كما هو لكثيرين (الأستاذ) ، "فالجورنالجى" كما كان يحب أن يطلق على نفسه أحد  أهم من أثروا فى تشكيل فكرى ووجدانى،  وأنا مدينة له بالكثير عل  هذا المستوى, فقد كانت كتاباته بالنسبة لى كالضوء الذى يسرى من حولى, فأرى فى الأفق  بعدا جديد بعد الإنتهاء من كل كتاب أو مقال. كان ا/هيكل القدير شخصية موسوعية إتسمت بالموهبة والعمق، وكان رمزا من رموز الفكر العربى، فلم يكن مجرد صحفى بل كان صاحب رؤية إستراتيجية  وسياسية ,فقد كان صاحب مشروع تنويرى ثقافى صحفى, متمثلا فى التأسيس الثانى للأهرام, و التى حولها من جريدة تهوى للهبوط،  إلى  واحة من واحات الفكر, ومنارة لتحديثه, إلى أن أصبحت أحد أهم عشر صحف فى العالم.

وسأختم مقالى بروائع كلمات للأستاذ خطها فى فترة حياته الأخيرة، قال رحمه الله عليه :
( إننى رجل محب للحياة ومغرم بها .. وفى نفس الوقت متصالح ومتفاهم مع ما بعدها.. فهذه الحياة أعتطنى أحلى وأغلى ما عندها, ومن الحق أن أدرك أن ما بعدها موصول بها إتصال الليل بالنهار!).


ورحم الله من رفع إسم مصر عاليا داخليا وخارجيا.


0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Fox Egypt News Magazine 2014 © جميع الحقوق محفوظة © تصميم الموقع : مجدي البروفسير