كتبت / دكتورة - نورهان سليمان

الثقافة في الدلتا وصعيد مصر والصحافة الثقافية في اليوم الثاني لمؤتمر

مشروع دعم التنوع الثقافي والابتكار في مصر

شهدت مكتبة الإسكندرية أمس جلسات اليوم الثاني من المؤتمر الختامي لمشروع "دعم التنوع الثقافي والابتكار في مصر" الذي بدأ نشاطه منذ عامين بدعم من الاتحاد الأوروبي. ويستمر المؤتمر لمدة ثلاثة أيام؛ من 14-16 نوفمبر.

ناقشت الجلسة السادسة التي أُقيمت ضمن فعاليات اليوم الثاني للمؤتمر الثقافة في الدلتا والوجه البحري، وتولى إدارتها الدكتور محمد أحمد غنيم؛ مدير المركز الحضاري لعلوم الإنسان والتراث بجامعة المنصورة، وتحدث خلالها  الدكتور سمير المنزلاوي؛ الكاتب والروائي عن مشكلات الثقافة في الوجه البحري مشيرًا إلى أن سكان الأقاليم لا يشعرون بوجود المؤسسات الثقافية الموجودة في العاصمة كالأوبرا، والهيئة العامة للكتاب، والمجلس الأعلى للثقافة، ودار الكتاب، وأكاديمية الفنون وغيرها، والتي تبدو من جانبها مؤسسات متعالية تعنى بالنخبة القادرة على اختراقها وإقامة علاقات ومصالح مع القائمين عليها .

وأكد "المنزلاوي" أن النشاط الثقافي يكاد أن يختفي داخل الأندية الرياضية ومراكز الشباب بالرغم من احتكاكها مباشرة بفئة عمرية تحتاج إلى تنشئة ثقافية، تقيها من السقوط في المخدرات والانحراف الجنسي والسلوكي وكذلك الانحدار إلى جماعات تكفيرية متطرفة  تغري أصحاب الموهبة بمظاهر كاذبة من الثقافة الموجهة من خلال كتب منتقاة ، ومبادئ أيديولوجية، تخلق في النهاية شخصًا يحقد على مجتمعه، وأنه لا يمكن تفسير نجاح التطرف، إلا من خلال رصد إهمال تلك النوادي والمراكز لدورها الثقافي.

وأشار "المنزلاوي" إلى أن المشروع السياسي يبرز في حالات التدهور الاجتماعي وازدياد الفقر والجهل في يد السلطة كعصا سحرية لإنقاذ البلاد والعباد، وتغيب الثقافة كأداة إرشاد، وبغيابها تصبح العلاقات السلطوية بمعزل عن الحركة الاجتماعية ويصبح هدفها الأول إنتاج ما يؤكد أهليتها وحفاظها على مكتسباتها وفق مفهوم التسلط لا السلطة.


وفي نهاية حديثه شدد "المنزلاوي" على أهمية النظر إلى الثقافة بوصفها طريقة حياة لبعض المجتمعات البدوية والساحلية، وبوصفها معارف عامة للبعض الآخر، وكلاهما يكملان بعضهما البعض، فلا ثقافة بلا خبرات وتقاليد وممارسات للحياة اليومية ولا ثقافة  بلا معارف عامة أو تعليم خاصة فيما نعيشه اليوم في قفزات التطور التكنولوجي.

وبدوره أشار الأستاذ سليمان أبوعياط؛ كبير المذيعين بإذاعة شمال سيناء، إلى أن الحضور الثقافي الحالي في سيناء تأثر سليًا بالظروف الأمنية التي تمر بها، ويحتاج إلى رعاية ثقافية مكثفة لإمداد شبابه بالمعرفة والثقافة الوسطية الوطنية، ويحتاج أيضًا إلى إعادة عرض  الكثير من قصص البطولة لأبناء سيناء؛ حيث أن الشباب اليوم يفتقد القدوة وفى حالة من التشويش والاغتراب، ولذلك فلابد من ربط الشباب بماضيه المضيء حتى يبني مستقبله من خلال الماضي والحاضر الذي يؤسس لثقافة فاعلة.

وأكد "أبو عياط" أن  هناك معالم تراثية ثقافية تتمثل في مهرجانات الهجن بمحافظات سيناء والقناة وتجري منذ عقدين من الزمن في العريش في شمال سيناء ومنطقة الجفجافة بوسط سيناء وعيون موسى بالسويس وسهل القاع وشرم الشيخ والمقرح بنويبع بجنوب سيناء وفي سرابيوم بالإسماعيلية وتكون المهرجانات السنوية ونصف السنوية وربع السنوية أعياد للثقافة والتراث، كما تقام أمسيات الشعر النبطي والفصحة إلى جانب فرق الفنون الشعبية التي تعزف الربابة والشبابة والمقرون والسمسمية وغيرها من الفنون التي تحتاج إلى رعاية من قبل الهيئات الثقافية الموجودة في المحافظات.

وتحت عنوان "الثقافة في مصر العليا" أُقيمت الجلسة السابعة برئاسة الدكتور محمد إبراهيم منصور، وتحدث خلالها الباحث فتحي عبد السميع عن الثقافة والتقاليد في صعيد مصر مشيرًا إلى أن الصعيد يتميز بخصوصية واضحة، يضيق المجال عن منحها حقها، وقد وُلدت تلك الخصوصية كأمر طبيعي  نتيجة تفاعل الإنسان مع ظروفه الجغرافية التي تتمتع بخصوصية من حيث طبيعة المناخ الحار، وارتباطه الساحلي بالبحر الأحمر؛ حيث الصلات التاريخية بشبه الجزيرة العربية، وارتبطت جغرافيًا الصعيد ببعد حضاري موغل بالقدم،  وكل ذلك جعل الصعيد يلعب دورًا ثقافيًا كبيرٍا ومتميزًا في العالم القديم، وقد ترك ذلك العمق التاريخي أثرًا كبيرًا في تشكيل خصوصية الصعيد.

وأكد  "عبد السميع" أن خصوصية الصعيد لا ترتبط بعمقه التاريخي وحده، بل ترتبط بعصرنا الحديث أيضًا، بمعنى وجود متغيرات ثقافية ساهمت في إبراز درجة من الخصوصية لم تكن موجودة في السابق، ولهذا الأمر خطورة بالغة، فالوحدة الثقافية للوطن لا تلتئم بل تتعرض لشروخ، والخصوصية الصعيدية الطبيعية، لا تلتحم في الثقافة الأم بل تتحول إلى تميز ينمو بشكل غير طبيعي، ويكف بالتالي عن كونه يمثل خصوصية حقيقية تثري، ويتحول خصوصية زائفة تضر بالثقافة الأم.

ولفت "عبدالسميع" إلى أننا نحتاج لمشروع وطني لدراسة الصعيد، يفتح أمامنا آفاقا للعمل الثقافي الحقيقي، ويضع أيدينا على نقاط بعينها يمكن استهدافها بشكل علمي، أو تقديم برامج ثقافية يمكن تنفيذها على الأرض، بحيث تأتي بمردود حقيقي، وأن يتم تخصيص مركز لذلك المشروع، تتولاه مكتبة الإسكندرية، أو يتولاه المجلس الأعلى للثقافة، ويتم توسيع نطاقه بحيث يشمل كل الثقافات الفرعية في مصر.

ومن جانبه أكد الدكتور أحمد عمر؛ مدرس الفلسفة بكلية آداب الوادي الجديد أن صعيد مصر يتميز بخصائص جغرافية وطبيعية أثرت في حياة طبائع سكانه، وتكوينهم الروحي والذهني، واتجاه ثقافتهم، وأن اتصاله عبر تاريخه بالعالم الخارجي وثقافته محدودًا، مما حد من إمكانية تأثره بالثقافة الخارجية، وأدى إلى أن تتركز في أهل الصعيد روح العصبية المصرية، وطابع القوة والحدة، ورفض التجديد.

وأشار "عمر" إلى أن تدهور الواقع الثقافي في صعيد مصر يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتدهور الثقافي العام في البلاد، والذي بدأ مع الربع الأخير من القرن العشرين، والذي ترك أثاره المدمرة على قيم وسلوك وثقافة المصريين جميعًا؛ نتيجة تقاعس الدولة عن القيام بدورها الثقافي.

وأضاف "عمر" أن قراءة الواقع على نحو صحيح تكشف لنا أن الصعيد الذي يراه بعض أبناءه جانيًا عليهم، هو في الوقت ذاته مجنيًا عليه، لما عاناه عبر عقود طويلة ماضية من إهمال الحكومات المتعاقبة، وعدم وضعها لخطة شاملة ومستدامة تستهدف تنميته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وتمنى "عمر" في نهاية حديثه أن يدرك النظام الحالي مخاطر الوضع الراهن في الصعيد، ويضع تنمية الصعيد اقتصاديًا واجتماعيًا وبشريًا وثقافيًا على أولوية اهتمامه؛ ليغير سياق ونمط الحياة به، ويستغل قوة وصلابة ووفرة العنصر البشري فيه، وثراء عناصره ومقوماته الثقافية؛ ليخلق جيلاً جديدًا في الصعيد يعطي أُفقًا للحلم والعمل.

وأختتم اليوم الثاني للمؤتمر بعقد جلسة بعنوان "الصحافة الثقافية في مصر"، وتولى إدارتها الدكتور محمد شومان؛ الخبير الإعلامي، وتحدث خلالها الأستاذ على عطا؛ مدير تحري جريدة الحياة اللندنية عن المجلات الثقافية ومدى جدواها مشيرًا إلى أن غالبية الإصدارات الثقافية هي إصدارات حكومية أو شبة حكومية بعضها مات في المهد، ومعظمها يُضيع ما ينفق عليه من أموال دون رقيب أو حسيب، ولا يتبع منها المؤسسات الصحفية القومية والخاصة سوى القليل.

وأضاف "عطا" أن معظم ما تصدره الهيئات التابعة لوزارة الثقافة، ووزارة الثقافة من المجلات الثقافية هي مجلات فقيرة التوزيع والـتأثير في أوساط النخبة، فما بالنا بالجمهور الواسع الذي نحن في أشد الحاجة إلى الارتقاء بوعيه.

وفي نهاية حديثه طالب "عطا" وزارة الثقافة بتقليص ما تصدره من مجلات ثقافية إلى أدنى حد ممكن؛ فتوقف هدرًا غير مفهوم للمال العام دون جدوى ثقافية للجمهور، وتتولى في الوقت نفسه إقامة عشرات المشاريع الجيدة التي نحتاج وجودها فعلاً من خلال صندوق التنمية؛ فيتبقى لدينا عدد من الاصدارات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، تكون فيها الجدوى والمنفعة لنا ولمحيطنا العربي.

ومن جانبه أكد الأستاذ طارق الطاهر؛ رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب أن هناك إشكالية كبيرة بالنسبة لحرية التعبير أدت إلى في لحظات في لحظات إلى ما هو أبعد تأثيرًا من منع الأعمال الإبداعية أو مصادرتها؛ حيث تحول الأمر مع كل أزمة إلى صراع مجتمعي، بمعنى أن هناك من ينظر إلى المثقفين باعتبارهم خارجين عن القانون ويستحقون مثل هذه البلاغات، مشيرًا إلى أن ما يحدث الأن هو فتنة بين الثقافة والمجتمع، ينبغي لنا جميعًا أن ننتبه لها ولخطورتها.

وأشار "الطاهر" في نهاية حديثة إلى أن الطريق طويل وشاق للوصول إلى حرية التعبير والرأي، وتحتاج منا جميعًا أن نعي جميعًا مواطنين ومثقفين ومسئولين وحكام أنه لا تقدم جاد إذا لم تحتل الثقافة مكانها ومكانتها، وأن هذا لن يتحقق سوى بصياغة ورقة يتحمل فيها الجميع مسئولياته.




0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Fox Egypt News Magazine 2014 © جميع الحقوق محفوظة © تصميم الموقع : مجدي البروفسير